رحلة الي كلابشة

رحلة الي كلابشة NileFromAboveNarrowAngle

نبحر في رحلة عبر النيل ونعبر فيها القري والنجوع ونطوي خلالها الميل وراء الأميال من

الشــــلال - دابود - دهميت - أمبركاب - كلابشة في مسافة 50 كم جنوب أسوان

كلابشة أكبر الوديان أو القري النوبية برغم ضيق الوادي لوجود تلال كبيرة من الأنقاض

وحطام الأواني الخزفية علي طول سفح الجبل مما يشير إلي وجود مدينة قديمة كانت

تقوم في المكان وبها بيوت تتألف منها القرية القائمة بحوالي 200 بيت وكانت كلابشة

تقع في الغرب من النيل وهي أكبر القري الغربية بين أسوان والدر .

أما بوابة كلابشة عبارة عن منطقة ضيقة يمر بها النيل في مسار تعرجات كثيرة لمسافة

تصل 5 كم وهنا تشرف الحافة الصخرية تماماً علي النيل وفي معظم مساره ويرتفع في

صورة شبه عمودية من الماء بنحو 30 : 50 م والقادم من الشمال يجدها فعلاً في صورة

بوابة ضخمة أذا أن النيل يضيق مرة واحدة دون مقدمات كثيرة وأذا به يجد نفسه بين حوائط

صخرية عالية متناسقة وفي داخل المسار المائي متعرجات كثيرة وبعض المناطق الفسيحة

نسبياً عندما تبتعد الحافة الصخرية بعيداً عن النهر قليلاً .

كانت كلابشة تسمي ( كلي - بشا ) ومعناها ساقة بشا ، عندما كانت البلاد الواقعة من

شمال إبريم أي الجزء الأدني من مريس تحت سيطرة بشا عبدة الأوثان الفرعونية وأطلق

علي هذه المنطقة كلي بشا حتي جاء الملك النوبي سيلسكو مؤسس دنقلاً وحاربهم

وطردهم من المنطقة وسجل علي معبد كلابشة أنتصاره علي قبيلة البلامس الوثنية .

وفي أسفل التل القائم وسط القرية أطلال معبد هائل يمتد إلي النهر ويتألف واجهة

المدخل من بوابة كبيرة في غاية الجمال والبساطة لكونها من أكبر المعابد المشيدة

في بلاد النوبة ويقارن هنا بمعبد الكرنك الموجود في الأقصر ، وقد بني المعبد في عصر

الدولة الحديثة وفي عصر الملك ( أمنحتب الثاني ) القرن الخامس عشر قبل الميلاد

وكان ملحقاً بأحد الحصون المنيعة التي بنيت في هذا العصر بين أسوان ونباتاً عند الجندل

الرابع بالجنوب بالأضافة أن هذه المنطقة كانت ذات أهمية كبيرة أذا قامت علي مقربة من

مدينة ( تالميس ) والمعبد يرجع إلي العصر البطلمي ثم زاد عليه بعض أباطرة الرومان مثل

أغسطس وكاليجولا وتراجان ومن مميزات هذا المعبد بأنه خصص لعبادة أله الشمس النوبي

( ماندوليس ) ويمتاز بنص تاريخي كتبه أحد ملوك مروي وأسمه ( سيلسكو ) عندما طرد

قبائل البلامس أو البليمي من هذه المنطقة وجــــاء النص كما يأتي :

( أنا سيلسكو الملك النوبي لبقوي لقد حضرت مرتين إلي تالميس وتافيس وحاربت ضد

البليمي ووهبني الله النصر ثم هزيمتهم مرة أخري وكنت قد حصنت نفسي هناك مع

جنودي وفي أخر الأمر طلبوا السلام مني بعد أن أقسموا علي معبوداتهم ووثقت بهم

لانهم ممن يحتفظ بوعده ومن ثم عدت إلي بلدي في النوبة العليا لانني ملك ولست

ممن يسيرون في ركاب ملوك أخرين بل أني أتقدمهم ) .

يوجد في البوابة الكبيرة باب ينفذ منه الزائر إلي الرواق وكان علي طول حائطه الجانبي

صف من الأعمدة لم يبق منها غير عمود واحد قطره 3 أقدام و3 بوصات ، أما الأعمدة

الأخري ملقاه علي الأرض وعلي كل جانب من جانبي الرواق دهليز مظلم ضيق متصل

بالرواق وله باب يفتح علي المنطقة المحيطة بالمعبد وهو يواجه بوابة جميلة ويصل

الأعمدة بعضها ببعض حائط يعلو إلي نصف أرتفاعها وقد سقط سقف البهو وأحجاره منتشرة

علي أرضه ولم يبق من الأعمدة التي يرتكز عليها سوي أثنين ولم أري علي البوبة ولا علي

البهو نقوشاً أيا كانت اللهم إلا علي حائط البهو الخلفي وأقل علي حائط الهيكل الأمامي

وأهمها عليه رسم لبرياريوس وطول الهيكل 15 خطوة وعرضه 9 خطوات ويمتد أقداماً في

البهو مكوناً ما يشبه الحجرة القائمة بذاتها في وسط المعبد وهو أسلوب تم ملاحظته علي

البيت وفي داخل الهيكل عمودان وأطئان ورأيت في قدس الأقداس حطام أعمدة ملقاة علي

الأرض و في جدران القدس فجوات مظلمة وأطئة ونوافذ كتلك التي تراها في معبد دندرة .

والسقف من كتل حجرية تمتد بعرضه وسمكه يزيد علي 3 أقدام وخلف القدس حجرة يصلها

بابان وقد سقط سقف الحجرة وبها حجرة أخري كانت مبنية فوقها وفي جدران هذه الحجرة

فجوات عديدة وتؤلف الفجوة منها خلوتين واحدة وراء الأخري ويفصلها باب ضيق ولا يتسع

الخلوة إلا لشخص واحد والخلوتان تغلقان من أمام بحجر يمكن رفعه عند الحاجة ولعل هذه

الحجر الصغيرة كانت زنزانات يحبس فيها المتمردون من القساوسة أوصوامع يوضع فيها

الراغبون في أحتراف الكهانة تحت الأختبار وشاغل الحجرة فيها كان رهين محبسها بكل

معني الكلمة .

أما جدران الهيكل وقدس الأقداس تكسوها الرسوم التي مازالت الوانها محتفظة بروائها

والفضل يرجع إلي طبقة الملاط التي كسا الأغريق بها الجدران ليرسموا عليها صور قديسيهم

ومن الأالوان الثابتة في المعبد الأحمر الأزرق الأخضر الأسود وقد لون ( أوزيريس ) مملكات

بأزهار اللوتس بلون أسود أما الثياب المخططة الملونة التي يرتديها ( أوزيريس ) ذو التاج

فزاهية براقة والشعر في كل هذه الرسوم أسود اللون وأن يكن في بعضها أزرق وتملاً

النقوش الهيرغليفية الحمراء اللون ما بين هذه الرسوم من فراغ وفي أسفل جدران القدس

الجانبية رسوم أفراد بجانب كل منهم حيوان وهو أما ثور أو غزال أو أوزة عليجدران المعبد

الخارجية رسوم لأشخاص بالحجم الكبير وهذا وقد مدت جدران الرواق بطول المعبد كله

ويقطعه جدار مستعرض في مؤخرة الحجرة الواقعة خلف قدس الأقداس فقام بذلك سور

عالي يحيط بالمعبد وعلي نحو 20 قدم منه سور خارجي يحتوي البناء بين جدرانه ويصل

هذا السور الخارجي إلي سفح التل الذي نحت نحتاً رأسياً ليكون الحائط الخلفي للسور

وفي الزاوية الجنوبية الغربية من المنطقة ألتي تخلفت حول المعبد بهذه الطريقة مربع تؤلف

ضلعاً من أضلاعه ثلاثة أعمدة ويؤلف الضلع الداخلي المجاور لهذا جدار قصير يقطع المنطقة

عرضاً وقد نحت علي الصخر العمودي حجرة واحدة لا يحليها من النقوش سوي رسم الشمس

علي الباب وتهبط منها ثلاثة درجات إلي شرفة مبلطة تمتد علي أساس بناء مستطيل يقع

فوق النهر مباشرة وتري فيه بقاياً أعمدة ويعتبر المعبد من أثمن المعابد والأثار في بلاد النوبة

ومصر وقد تحول المعبد إلي كنيسة في عصر الأغريق والجدران مازالت تحتفظ بصور كثيرة

من القديس والقساوسة في ذلك الحين .

كانت كلابشة تضم جزيرة قريبة منها تسمي ( دار موت أو دار موسي أو دير موسي )

وأسمها خرطوم وهي مشيدة علي جزيرة صخرية وبعضها علي الصخور العالية المشرفة

علي الضفة الشرقية وليس أبهي وا{وع من منظر الشمس الغاربة علي الجزائر الجرانيتية

السوداء ويحيط بها مياه النهر الصافية والشطئان المكسوة بالخضرة ترصع مجري النيل

فيها كأنها قطعة من الريف الأوربي في ذلك الزمان يبهر كل ما يمر بها وتسحره سحراً

جذاباً وفريداً أما عن سبب التسمية فهناك أختلاف في الروايات وقد ذكر أبوصالح الرحال

العربي في القرن الحادي عشر الميلادي أن أسم دار موسي مع أن الرواية بعيدة عن

الصدق والله أعلم أن النبي موسي عليه أفضل الصلاة والسلام قبل أن يغرب عن وجه

فرعون مصر أرسله علي رأس حملة إلي بلاد السودان لكي يشق طريقه فيبلغ أقصاها

وكانت ثمة أفاعي وحيوانات متوحشة وضاربة في هذه المنطقة الصخرية والجزيرة وكان معه

الديوك التي صاحت وطرت كل الأفاعي والحيوانات وحفظ الله سيدنا موسي وحاصر المنطقة

والجزيرة حتي أستسلم أهلها وعفي عنهم سيدنا موسي ولذا أطلق علي الجزيرة دير موسي

أو دار موسي

وكانت كلابشة من القري النوبية العامرة بالنجوع في المنطقة الكنزية وقد شملت كلابشة

22 نجع في ذلك الوقت وتشمل قبائل كلابشة من حمد الله بن محمد ونس المتصل نسبه إلي

الفضل بن عبدالله بن أبي العباس وهم قبائل الحمداب والونساب و بها جماعات كثيرة أنتشرت

في قري نوبية كثيرة وكذلك هناك فروع من قبائل أمير كاب بن الأمير نجم الدين .

بعد الهجرة شمال أسوان جاءت كلابشة علي الطريق الدولي مصر أسوان وأصبحت مدينة

من مدن محافظة أسوان وبها 1076 فدان زراعي وعدد السكان الحالي ما يقارب 1000شخص

والبيوت 800 بيت وتغيرت الحياة فيها ولم يعد بها ذلك المعبد العظيم الذي عاصر كلابشة علي

مدار الزمان حتي الهجرة وأنتقل المعبد بالقرب من أسوان علي مسافة 30 كم بعد نقله من

أثار السد العالي ذلك السد الذي حكم ونفذ حكم الأعدام في كل بلاد النوبة بلا رحمة بلا

هواة بلا مغفرة وعصر معها كل القلوب التي نمت وماتت حزناً علي النوبة من قسوة سجان

وفرعون بلا قلب كسر التاريخ والحضارة والجذور في أرض النوبة أم الحضارات ولكن !!!؟ ظلت

أرواح النوبي باقية تقاوم كل الظلم والضغيان وتتحدي الطمس والهوية حتي رحيل أخر نوبي

من الأرض والنيل ونظل لهم الشوكة السامة لكل من يحاول الأقتراب أو الأعتداء في الكيان

النوبي الذي يبحر بجذوره ليعم كل الأرجاء وسنخرج لهم من الأرض إلي السماء بروح الأباء

والأجداد وما النوبة إلا ساحة رجال وشموخ وكبرياء وبستان ثمار ينبت دون بذور أو ماء .

لكم تحياتى
محمد ابويوسف

بجد موضوع جميل جدا يابو يوسف

بالتوفيق دئما يا باشا مع كل جديد

مع تحياتى

aDrIaNo